اللغة العربية.. واقع و آفاق !
اللغة العربية.. واقع و آفاق !
بقلم : محمد سالم بن عمر- عضو اتحاد الكتاب التونسيين .
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
86، حي الليمون ، منزل بورقيبة 7050 / ص.ب :260 ولاية بنزرت – الجمهورية التونسية .
الهاتف : 23038163 (00216)
تعتبر اللغة من أهمّ مقوّمات الشعوب. فهي ترجمان فكرها وعواطفها ومختلف مظاهر الحضارة والتمدّن فيها . ولقد أدركت الأمم هذه الأهمية للغة، قديما وحديثا، فلم تتوان أيّ منها عن دراسة لغتها، والإهتمام بها، والحرص على نشرها وتعليمها للآخرين وتحبيبها إليهم.
ولقد بحث الإغريق في طبيعة اللغة ونشأتها، وتضافرت جهودهم في سبيل وضع قواعد للغتهم ابتداء من القرن الثاني قبل الميلاد. وشارك الفلاسفة اللغويين فكانت أبحاث أفلاطون في أصل الكلمة، ومشكلة المعنى كما درس العلاقة بين الأشياء والكلمات.
وتابعهم في ذلك الرومان، فدرسوا اللاتينية ولما كان الإغريق قد اقتصروا على دراسة لغتهم فقط، فقد فعل الرّومان مثلهم فلم يدرسوا قواعد أيّة لغة غير لاتينية، كأنّهم أرادوا أن تصبح هذه القواعد قوانين عامة تصلح لجميع اللغات، وهي نظرة سادت في أوروبا ، وظلت آثارها إلى سنوات قليلة مضت قائمة ، إذ حاول اللغويّون هناك تطبيق قواعد اللغتين اليونانية واللاتينية على اللغات التي انحدرت منها غاضين النظر عن مسافة الخلف بين هذه اللغات الحديثة وتينك اللغتين الميتتين.
ولقد انصبّ اهتمام الإغريق والرومان على وضع قواعد لما يمكن أن يقابل اللغة الفصحى أو النموذجية، وهي لغة لم تكن متحدثة آنذاك وانشغلوا بوضع قواعد وضوابط ومعايير محدّدة لهذه اللغة سميت بالقواعد "المعيارية" وهي لا تتغير بمرور الزمن.
أما في الهند فقد كان للكتاب الذي ألفه "بانيني" في القرن الرّابع الميلادي، الأثر البارز في توضيح قواعد اللغة السنسكريتية مبيّنا فيه وواصفا النظام الصوتي والصرفي والنحوي لتلك اللغة وصفا دقيقا.
كما أحب العرب القدامى قبل مجيء الإسلام .. لغتهم و تباروا في إتقانها و تجويدها واستعملوها في حلهم و ترحالهم، و في خطبهم و أشعارهم ... و شهدت منطقة الجزيرة العربية أسواقا أدبية عديدة من أشهرها : عكاظ و مجنة و ذو المجاز و غيرها .. و كان عكاظ أشهرها جميعا، فكانت تنتقى فيه القصائد العصماء التي اشتهرت باسم ﴿ المعلقات ﴾ لتعليقها عند الكعبة بعد تمحيصها و خضوعها لإشراف و نقد دقيق وضعت نظمه قريش.
و بعد مجيء الإسلام ترقت بلاغة العرب بسبب نزول القرآن ﴿بلسان عربي مبين ﴾. فأصبح كلام المسلمين من العرب أعلى طبقة في البلاغة و أذواقها من كلام أهل الجاهلية في نثرهم و نظمهم،فنجد شعر حسان بن ثابت و عمر بن أبي ربيعة و الحطيئة و جرير و الفرزدق ..، ثم كلام الشعراء في الدولة الأموية و صدر الدولة العباسية ارفع طبقة في البلاغة من شعر النابغة و عنترة وابن كلثوم ،و زهير و علقمة و طرفة و من كلام أهل الجاهلية ،لأن هؤلاء قد سمعوا و حفظوا القرآن "وهو من خلق الله" الذي عجز الجن و الإنس عن الإتيان بمثله ، فنشأت على أساليبه نفوسهم ،فنهضت طباعهم وارتقت ملكاتهم في البلاغة عن ملكات من قبلهم من أهل الجاهلية .
و لقد انطلق آباؤنا المسلمون من الجزيرة العربية زاحفين إلى أقاصي الأرض ، متجاوزين الآفاق البعيدة التي لم يحلموا بالوصول إليها من قبل ،ليؤدوا الأمانة الكبرى التي اختارهم الله لها دون غيرهم من سائر الأمم،و حمل رسالة الإسلام ونواميسه الفطرية الأزلية الخالدة إلى كل شعوب الدنيا. و قد كانوا في الوقت نفسه حملة للغة العربية، لغة الإسلام . فبها وحدها يستطيعون نقل تعاليم الإسلام الحقيقية و آياته البينات إلى الآخرين،و بها وحدها يستطيع المسلم الجديد أن يكون مسلما حقيقيا ، مستوعبا ومستجيبا لكل أوامر الله و نواهيه في القرآن، ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه :﴿ تعلموا اللغة العربية فإنها من دينكم ﴾. و يقول أبو إسحاق ألشاطبي ﴿ في الموافقات﴾ : ﴿إن هذه الشريعة المباركة عربية فمن أراد تفهمها فمن وجهة لسان العرب و لا سبيل إلى تطلب فهمها من غير هذه الجهة﴾.
إن الدين الإسلامي لم يكن مجرد عقيدة و تشريع و مبادئ يعتنقها المسلم فحسب، بل هو معجزة فنية ، لغوية و فكرية، معنى و مبنى، بعث الله بها إلى الأرض لتصغي إليها قلوب تحجرت فتلين ،و تتعلق بها عيون جفت فيها المشاعر فتتفجر بالدموع ، و عقول تراكم فوقها غبار القرون ،فانجلت و تجددت و اهتدت بنور الله وهي تستيقظ على هذا الصوت الرباني الذي جاء يتحداها فيما تحدت به من قبل كل البشر : البيان و البلاغة ، و بذلك ارتكز المسلمون الأوائل الأكثر تعبيرا عن حقيقة الإسلام و مراميه ، على ازدواجية الدعوة لدى الشعوب المفتوحة : دعوة القلوب إلى الإيمان و الألسنة إلى التعريب . فدخل الناس في دين الله، و الألسنة في لغة القرآن أفواجا. فصنعوا حضارة لا تزال معالمها شاهدة عليهم.
كما برع الخطاطون المسلمون في رسم اللغة العربية، وأبدعوا خطوطا عديدة زينتها بحلة قشيبة لأن الخط الجميل يزيد الحق وضوحا وإبانة على رأي علي بن أبي طالب.. وزينوا المساجد والمنازل والقصور في مختلف البلاد الإسلامية وجملوا الأثاث والسجاد والملابس والمباني والآلات والكتب وغيرها.
ولقد مثلت اللغة العربية ولا تزال إحدى اللغات العريقة ذات التاريخ الحافل، وهي لغة ثرية بأبجديتها وتضم من الحروف ما لا يوجد مثيلها في اللغات الأخرى: كالثاء والخاء والذال والظاء.. فضلا عن حرف الضاد الذي تنفرد به دون سائر اللغات العالمية.
وهي لغة تفي بالقليل عن الكثير، وتمج الغث وتعج بالسمين.. كما أنها تمثل قلب الأمة الإسلامية النابض وعقلها الواعي الذي يحوي تراثها ومجدها.. ولقد استوعبت إنجازات المسلمين الحضارية كلها عبر تاريخهم الطويل بوفاء وأمانة، بل لقد شرفها خالق الكون والحياة و الإنسان بأن اختارها ليخاطب بها بني آدم عبر كتاب معجز شكلا ومضمونا. وقد حولها هذا التشريف إلى لغة عالمية.. يقول المستشرق «جوبيوم» في مقدمة كتابه تراث الإسلام: « إن اللغة العربية لغة عبقرية لا تدانيها لغة في مرونتها واشتقاقها..».هذا بالإضافة إلى أنها اللغة ذات الصوت الواضح المميز، وذلك راجع إلى دقة مخارج حروفها، بعكس ما هو ملحوظ في بعض اللغات الأخرى التي تكثر بكلماتها الحروف الساكتة، أو التي يتلاشى بعضها في بعض خلال النطق.
إن تميز اللغة العربية بخصوصيات كثيرة جعلتها تتربع على عرش اللغات جميعها بما احتوت عليه من ضروب البيان والبلاغة والإعجاز وسهولة الإشتقاق منها وقدرتها العجيبة على التعبير عن كل خلجات النفس البشرية في أفراحها وأتراحها، في هزلها وجدها، في علومها وآدابها.. ولقد أدرك أعداء أمتنا الإسلامية الإرتباط الوثيق بين اللغة العربية ومجد ووحدة المسلمين، فعملوا جاهدين على ترويج الدعاوي التي تتهم الفصحى بالعقم والبداوة وألقوا عليها مسؤولية التخلف الحضاري"لأمة الإسلام " في العصر الحديث، زاعمين بعدم استجابة الفصحى للحضارة الحديثة وهي عسيرة على من يتعلمها !؟
واتفق هؤلاء - المتآمرون على رمز هويتنا الحضارية- على استبدال اللغة العربية بلغات المستعمرين القدامى لديارنا أو باللهجات العامية لشعوبنا الناطقة بالضاد أو كتابة العربية بالحروف أللاتينية لمسخها والقضاء على صحة النطق بها، أو تغيير الأساليب البيانية والبلاغية للغة الفصحى .
وهذه الدعوات مهما لبست من أقنعة، وزخرفت من قول إنما هي دعوات مسمومة و مفضوحة يريد بها أصحابها أن يخربوا هوية" الأمة الإسلامية" حتى يسهل لهم تذويبها وتركيعها لأطروحاتهم المعادية لمصالح أمتنا الإسلامية و حقها في التقدم والتطور وتحقيق العزة والمناعة و الشهادة على الناس .. ذلك لأن اللهجة العامية مثلا التي يريدها أعداء أمتنا بديلا عن اللغة الفصحى تمثل ألفاظا مهلهلة من لهجات تختلف من بلد لآخر كما تختلف في البلد الواحد باختلاف مناطقه وأجيال أبنائه، وهي فقيرة كل الفقر في مفرداتها، مضطربة في قواعدها وأساليبها حتى إن العربي يخاطب أخاه على لسان غير مبين فلا يكاد يفهمه ! يقول العقاد:«اللغة العامية لغة الجهل والجهلاء وليست بلغة الشعبيين، ولا من يحبون الخير للشعوب».!
لقد عبرت اللغة الفصحى قديما وحديثا بصدق عن المفاهيم والمصطلحات العلمية والأدبية والمشاعر الراقية و المدنية المتقدمة التي توصل إليها المسلمون في مختلف ميادين الحياة ودروبها، تقوى وتينع بقوة المسلمين الحضارية وعزتهم وتضعف بضعف المسلمين وتخلفهم الحضاري، فلا مجال إذن لأن تتهم اللغة الفصحى بالعجز أو القصور بل الأصح أن نتهم أنفسنا بالتخلي عن دورنا الإسلامي والحضاري في قيادة الشعوب وبلوغ ما وراء العرش تطورا وازدهارا.
إن اللغة لا يمكن أن تتطور وتينع وتزداد مفرداتها وتراكيبها ويترسخ جمالها وتنتشر بين الناس إلا إذا تراكمت المعارف الجديدة والمعاني الجليلة والمفاهيم المتطورة، وكثرت الإكتشافات والإختراعات، وأبدع الناس في كل المجالات الحياتية والمعرفية والتكنولوجية .. حينئذ تأتي اللغة لتعبر عن هذا التطور والرقي والإزدهار الحضاري عن طواعية، وتسلم قيادها للمبدعين و العاملين.. وكلما كثر هؤلاء المبدعون، كلما تطورت لغتنا المعيارية الفصحى واتسع قاموسها اللغوي وكثرت المعاني الجميلة بها، وأقبل عليها الناس واستعملوها في أحاديثهم وخطبهم وكتاباتهم و مختلف إبداعاتهم.
و في العصر الحديث لا تزال مختلف الأمم والشعوب تولي أهمية بالغة للحفاظ على لغاتها المعيارية وتطويرها ونشرها، من ذلك إقدام الدولة الفرنسية على التدخّل في الواقع اللغوي عبر قوانين أصدرتها في سنوات 1490، 1510، 1539م وهذا الأخير هو الأشهر والمعروف بقانون "فيلي كوتري"، وقد سعت هذه القوانين إلى إبعاد اللاتينية والإسبانية والإيطالية من الساحة الفرنسية.
كما أبعدت لغات فرنسا ولهجاتها الأصلية التي تعدّ بالعشرات ومن بينها "اللغة الباسكية" و"اللغة الكاتالانية" و"اللغة البروطانية" إلى جانب ما يعتبره "كلود هاجيج" في كتابه "الفرنسيّة والقرون" بلهجات فرنسا: كاللهجة الفلامانيكية المنتمية إلى اللغة الهولندية واللهجة الألزاسية المنتمية إلى اللغة الألمانية واللهجة الكورسيكية المنتمية إلى اللغة الإيطالية.
وقد قامت فرنسا بواسطة قانون (توبون) سنة 1994 بمنع استعمال اللغات الأجنبية خصوصا الإنجليزية في كل شيء بما في ذلك الإشهار. ووصل هذا القانون قمته عندما أراد (توبون) وزير الفرانكفونية إزالة كلمات انجليزية مترسخة في القاموس اللغوي منذ قرون.
كما أدركت المجتمعات الراقية أهمية اللغة في حياتها وحياة الشعوب التي تريد غزوها وبسط الهيمنة عليها فأخذت تنفق "الأموال الطائلة" من أجل تصنيع الثقافة بلغاتها وتصديرها إلى جميع أصقاع العالم تصرف بها وجوه الناس إليها وتغزوهم في عقر دارهم عن طريق القنوات المرئية والإذاعات المسموعة والمجلات والكتب والصحف و الشبكات العنكبوتية وغيرها من وسائل الإتصال الحديثة ... تفرض عليهم - من حيث يشعرون أو لا يشعرون - نمط حياتهم وطريقة عيشهم، وأسلوب تفكيرهم، وتقدم لهم الحلول لمختلف المشكلات التي تهم حياتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
وفي خضم هذا الواقع الذي تتصارع فيه مختلف الأمم والشعوب من أجل الحفاظ على لغاتها ونشرها وتطويرها ننظر بعين الحسرة و الألم إلى المستوى المنحدر الذي آلت إليه اللغة العربية، لغة القرآن ، وقد ساهم كل منّا بقسطه في هذا الإنحدار الرهيب ، وجنينا جناية بالغة في حق أبناء هذا الجيل والأجيال المقبلة بل في حق اللغة العربية. يقول الأستاذ فاروق جويدة تحت عنوان "قبل أن تصبح اللغة العربية غريبة بيننا" اللغة العربية في محنة هذه حقيقة نكاد ندركها ونلمسها جميعا ولكننا للأسف الشديد نقف أمامها مكتوفي الأيدي كمن يشاهد ابنه يصارع أمواج البحر ولا يحاول إنقاذه، ومحنة اللغة العربية ظاهرة يتصاعد دخانها أمام أعيننا منذ سنوات طويلة حتى وصلت الأحوال بها إلى درجة توشك فيها أن تصبح غريبة بيننا ".
فماذا نحن فاعلون – حكومات و شعوب و مفكرون و مبدعون – للحفاظ على رمز هويتنا الحضارية و تنميتها ؟؟
تعليقات
إرسال تعليق
بعث دولة التوحيد في العالم الإسلامي
هي الرد الوحيد على كل أعداء الإسلام ؟
إن دولة التوحيد وحدها القادرة على رد كيد الأعداء في نحورهم و قتل اليهود المجرمين و الصهاينة المعتدين - أعداء الإنسانية - و ليس تركيا أو إيران أو حماس أو القاعدة ... أو الحكومات العربية المتخلفة...؟؟؟ لأن جميع هؤلاء "علمانيون قطريون" لا تحكم أفعالهم آيات القرآن الكريم و قوانينه الفطرية المجسدة لكل تطلعات الإنسانية في الأخوة و التضامن و التعاون .. و الإنتصار للحق ؟؟
لا حل لنصرة المسلمين و المسلمات و المستضعفين في الأرض و وراثة الأرض ... و التمكين لشريعة الله في الأرض و تحقيق السعادة و الإستقرار في الدنيا و نيل رضوان الله في الآخرة ... ؟ إلا بالسعي الجاد لإقامة دولة التوحيد، المشكلة من" الولايات الإسلامية المتحدة" و تطبيق قوانين القرآن ... في جميع مجالات الحياة ....؟
فأين أنتم يا جنود الله – جنود الإسلام – في تونس و في العالم ... لأخذ المبادرة من حكومات عربية لقيطة جعلت شعوبنا الإسلامية نهبا لكل من هب و دب ..؟
راجع تفصيل ذلك في :
Islam3mille.blogspot.com
http://www.elaphblog.com/islam3000
http://www.elaphblog.com/daawatalhak
http://www.elaphblog.com/islamonegod
http://as7ab.maktoob.com/welcome.htm