امة واحدة

مقالات منشورة في عهد الاستبداد ؟





امة واحدة
إن شريعة الله واحدة لا تتغير و لا تتبدل لأنها مبنية على حقائق الكون
و الإنسان و الحياة و حقيقة خلق الإنسان و الحياة: " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير". علم المولى عز و جل ادم الأسماء كلها و شرع لأمة الإسلام ما وصى به كل الأنبياء عليهم السلام: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه "( سورة الشورى الآية 13). و يذكر الله المسلمين دائما أن القرآن الكريم هو كتاب الله جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة و الإنجيل و كل الكتب السابقة: " إن هذا لف الصحف الأولى صحف إبراهيم و موسى "( سورة الأعلى الآية 18 و19). بل إن عقيدة المسلمين مبنية أساسا على الإيمان بالله و جميع الكتب و الرسل السابقين.. و الرسول محمد – صلى الله عليه و سلم – مأمور بإتباع الوحي و الحذر من أن يفتنه الكفار عن بعض ما انزل الله إليه و الإقتداء بالأنبياء من قبله: " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" ( سورة الأنعام الآية 90)...
و الحاصل أن شريعة الله مكتملة منذ خلق ادم – عليه السلام – و أوامر الله و نواهيه ثابتة لا تتبدل و لا تتغير و بالتالي ليس هناك إمكانية للاجتهاد في الدين لان الاجتهاد معناه استنباط أحكام جديدة تختلف باختلاف المجتهد كما أن الاجتهاد معناه الطعن في قول الله عز وجل: " و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء و هدى و رحمة و بشرى للمسلمين "( سورة النحل الآية 89). و قوله عز وجل " و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله "( سورة الشورى الآية 10 ), فالله عز وجل لا يفرط في كتابه العزيز من شيء و كل شيء قد فصله تفصيلا.. و الحلال بين و الحرام بين و لا يعبد الله إلا بما شرع ,و اجتهاد الإنسان المؤمن يجب أن يقتصر على ما من شانه أن يرتقي بنوعية حياته الاجتماعية و الاقتصادية والعلمية .. كاستنباط طرق و وسائل حديثة و متطورة في ميدان الفلاحة و الصناعة و تيسير تنقل الإنسان و المعرفة.. و إحداث وسائل جديدة لطلب العلم و المعرفة.. و بلوغ ما وراء العرش تطورا و ازدهارا...
إن فكرة الاجتهاد في الدين – الخاطئة – كانت وراء كل المصائب التي حلت بالأمة الإسلامية - قديما و حديثا – كما كانت وراء تفرق الأمة الإسلامية الواحدة إلى ملل و نحل باسها بينها شديد: " إن هذه أمتكم امة واحدة و أنا ربكم فاعبدون "فما أباحه الله فهو حلال إلى يوم القيامة و ما حرمه الله فهو حرام إلى يوم القيامة.. فالمشرع في الإسلام واحد احد لا يشاركه في التشريع انس و لا جان و لا ملائكة.. و لقد ارتكب هذه الخطيئة الشنيعة – خطيئة الاجتهاد في الدين – اليهود و النصارى من قبلنا مما أوقعهم في عبادة غير الله: "اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله و المسيح ابن مريم..."
إن التمسك بقول الثابت من قبل جميع المؤمنين في العالم هو السبيل الوحيد لإيجاد امة إسلامية واحدة موحدة في تصورها للكون و الإنسان و الحياة و إتباع السلوك القويم المنبثق عن مفاهيم القرآن الكريم حتى يمكن الله لنا في الأرض كما وعد عباده الصالحين و يجعل بقية الأمم تسير على منهاجها القويم لأنه منهاج الله العزيز الحكيم
------------------------------------
إنزال ثوابت إسلامية على واقع معيشي غير إسلامي!!??

من اكبر الأخطاء و أخطرها التي ارتكبها الإسلاميون في العصر الحديث و لا يزالون يرتكبونها: محولاتهم المستمرة " إنزال ثوابت الإسلام و حقائقه الكبرى على واقع بلادهم المعيشي و الذي صار لا يمت لمفاهيم الإسلام بأية صلة .. الشيء الذي جعلهم في أعين الناس " مجرمين.. و قتلة.. و متطرفين.. "عوض أن يكونوا رحمة للناس و لأنفسهم .. كما هي الغاية من بعثة محمد نبي الإسلام عليه السلام!
فليس صدفة أن يتنزل القرآن الكريم خلال مرحلتين أساسيتين.. مرتبطتان ببعضهما كأشد ما يكون الارتباط..
- المرحلة الأولى وهي المرحلة المكية و قد سمي القرآن الموحى به خلالها بالقرآن المكي ( سور مكية).
- المرحلة الثانية وهي المرحلة المدنية و قد سمي القرآن الموحى به خلالها بالقرآن المدني ( سور مدنية).
و لقد شاءت حكمة الله ان يركز القرآن المكي في أذهان المؤمنين ( المسلمين) وحدانية الله رب كل شيء في الوجود.. و الخالق الوحيد لكل الموجودات.. و مصدر النعم كلها.. الظاهرة و الباطنة.. و كل ما عدا الله هي أرباب مزيفة لا قدرة لها على النفع أو الضر..أو حتى إنقاذ نفسها من قدر الله.. و بالتالي فان المؤمن بالله هو ذلك الذي يعبد الله وحده و لا يشرك به أحدا.. و لا يخضع في حياته الدنيا إلا لأوامر الله و نواهيه.. كما أن الله هو المصدر الوحيد للتشريع و تحديد مفاهيم الحياة للمؤمنين.. على عكس ما يذهب إليه "علماء الحضارة الإسلامية " من أن الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم ( أو إجماع الأمة..) مصدر من مصادر التشريع في الإسلام !!?? وهو افتراء كبير على الله و على الرسول صلى الله عليه و سلم الذي كان همه منصبا أساسا على توحيد الله و بالتالي وحدة المشرع.. فالقرآن كان يذكر دائما و باستمرار أن الله عز و جل قد اختص بالتشريع دون سواه " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه.. " ( سورة الشورى الآية 13 ).
فالرسول عليه الصلاة و السلام و كل الرسل من قبله ملزمون بإتباع الوحي / كلام الله حتى تتحقق هدايتهم و هداية من يتبعونهم من البشر... و لا يحيد عن كلام الله إلا هالك ! إن الرسل سلام الله عليهم يكونون في ضلال قبل نزول الوحي عليهم.. و تتحقق هدايتهم بعد نزول الوحي عليهم و استمساكهم بالوحي.. " ووجدك ضالا فهدى " ... " إن اتبع إلا ما يوحى إلي " و القرآن كثيرا ما حذر النبي محمد عليه السلام و الأنبياء من قبله من مخالفة أوامر الله .. و هددهم بالويل و الخزي دنيا و آخرة إن هم اعملوا عقولهم و خالفوا ما أوحى الله به إليهم من ثوابت و حقائق لا يحيد عنها إلا هالك ! و لو كان ملكا من ملائكة الرحمان.. لان الملائكة أنفسهم: " لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون " ( سورة التحريم الآية 6).

لما ثبت القرآن المكي في أفئدة المؤمنين بالله أن الله هو الرب الوحيد و المشرع الوحيد لعباده المؤمنين.. أمر الرسول صلى الله عليه و سلم بالهجرة إلى المدينة لملاقاة "أنصار الله" من المؤمنين و المهاجرين و من أهل المدينة.. و هناك بالمدينة بدا القرآن المدني في رسم معالم المجتمع الإسلامي المنشود و تحديد علاقات المؤمنين بعضهم ببعض في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و غيرها.. و علاقات المؤمنين بغيرهم.. و بدا التشريع الإسلامي في النزول سادا الطريق أمام أي اجتهاد بشري في تحديد القوانين و المفاهيم المحددة لكل سلوكيات المؤمنين في أدق التفاصيل الحياتية.. في الأسرة و المجتمع و الاقتصاد و الإرث و الحروب و السياسة... و حتى الطريقة السليمة لممارسة الجنس والولادة و الحيض و الرضاعة و التحية و الزيارة...و كل شؤون الحياة.. و قد رسم القرآن للمؤمنين طريق تحقيق العزة في الدنيا و الفوز بالجنة في الآخرة..

انك لتعجب حين تجد أن" المسلمين" قد فهموا خطا منذ بدايات الدعوة الإسلامية أن الله قد أباح لعباده المؤمنين " الاجتهاد في الدين"!!?? رغم أن القرآن نجده يحذر في أكثر من مناسبة من إتباع الهوى / الاجتهاد " افرايت من اتخذ الاهه هواه " .. " و إذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا"!! " و احذرهم أن يفتنوك عن بعض ما انزل الله إليك" " لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات.." "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " ....
فإذا كان الأنبياء عليهم السلام مأمورون بإتباع الوحي و عدم إعمال العقل في أي مسالة تخص حياة المؤمنين لان كتاب الله قد فصل القول في كل صغيرة و كبيرة و ما فرط الله في كتابه من شيء.. فان الأولى بالمؤمنين عدم الاجتهاد في أي مسالة تخص حياة المؤمنين الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ما دام كتاب الله قد فصل فيها القول تفصيلا..
إذن تنتفي في الإسلام الفكرة القائلة بإمكانية الاجتهاد لاستنباط الحلول بدعوى مواكبة العصر..!! لقد كان لهذه الفكرة الخاطئة *الاجتهاد في الإسلام * دورا أساسيا في ظهور الفرق و الطوائف الدينية عبر مختلف أحقاب التاريخ الإسلامي.. و قد ساهمت في تمزيق وحدة الأمة الإسلامية و تشرذمها إلى ملل و نحل متقاتلة.. متعادية مما حول "امة الإسلام" إلى لقمة سائغة بيد "المغول و المستكبرين في الأرض" قديما و حديثا.. !!
و لكي يعود* للأمة الإسلامية*مجدها ووحدتها و قوتها و قيادتها للأمم و الشعوب نحو الخير و الصلاح و رحمة الله ... لا بد من العودة إلى مفاهيم القرآن و الاستمساك بها في بناء عقيدة الإنسان المسلم الموحد لله و من ثم إقامة الدولة /المؤسسات الساهرة على تنفيذ شريعة الله و تطبيق آيات الله البينات في جميع شؤون الحياة الدنيا.. بدءا بإيجاد الأمة التي تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تؤمن بالله و انتهاء بإقامة دولة التوحيد التي تنبثق كل مفاهيمها الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و العسكرية و غيرها عن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.. تنزيل من عزيز حميد..

إن محاولة إنزال آيات القرآن المدني على أناس لم تعد تربطهم بمفاهيم الإسلام إلا صلة الإرث و القرابة و من قبل " دعاة"يحرقون المراحل.. و متغافلون عن سيرة الرسول / القدوة صلى الله عليه و سلم الذي قام بتغيير عقائد المؤمنين قبل أن يأمره مولاه بتطبيق القانون عليهم" القرآن المدني"... هي بمثابة عملية تشويه مقصودة لمبادئ الإسلام العظيم لتحقيق مآرب دنيوية و مصالح فئوية لا تهتم بإخلاص العمل لله عز و جل.. و لقد شاءت حكمة الله أن يعيش من سلك غير سبيل المؤمنين.. أن يعيش الخزي في الدنيا و الآخرة حتى و إن زعم انه مؤمن!!!.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البلاغ الذكية | ما اسم رئيس تونس القادم؟

ردا على حقارة البورقيبيات و البورقيبيين ؟

النخبة المستعلية على قيم شعبها و قوانينه لا بد أن تحاكم و تعدم أو تنفى م...