المؤمل والمنشود في أدب الطفل


المؤمل والمنشود في أدب الطفل

بقلم: محمد سالم بن عمر- عضو اتحاد الكتاب التونسيين.
Mohamedsalembenamor21@yahoo.fr
http:islam3mille.blogspot.com
86، حي الليمون ، منزل بورقيبة 7050 / ص.ب :260 ولاية بنزرت – الجمهورية التونسية .
الهاتف : 23038163 (00216)

تعتبر تنشئة الأطفال وتربيتهم من أعوص المشاكل التي تواجه عالمنا المعاصر، فالطفل يولد نقيا طاهرا وأبواه والمجتمع هم الذين يوجهونه الوجهة التي يرونها صالحة لهذا الطفل لخدمة مستقبل بلادهم وعزّتها وقوّتها، وهم المسئولون عن توثيق الروابط، وتعميق الصلات بين الأجيال المختلفة، في سبيل وحدة الجسد الإجتماعي وقوّته حتى يكون كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا.
ولتحقيق كل هذه الأغراض والأهداف النبيلة لابدّ أن يتخصص فريق من الأدباء و الكتاب و الموسيقيين و الفنانين .. لأعداد الطفل وتعهده بالتربية السليمة والتنشئة القويمة الصالحة . ونظرا لخطورة المرحلة التي يمرّ بها الطفل في سنواته الأولى، لابد أن يكون واضع أدب الأطفال واعيا بجمال الكون والإنسان والحياة و مؤمنا بالقيم السامقة لأمته و معاييرها الراقية ، ملما بمشاكل عصره، مواكبا لطموحات أبناء وطنه، يعرف ميول الأطفال وقدراتهم وأعمارهم العقلية، فيكتب لهم ما يجعلهم ينجذبون نحوه، وان يكون صديقا حميما للأطفال، يتحدث على لسانهم ويتحدث إليهم، كما يتحدثون إليه، ويشاركهم في عواطفهم وفي ألعابهم وفي تخيلاتهم، كما يتحدث إليهم هاديا ومرشدا، و محفزا على التفكير و الإبداع في جميع المجالات الحياتية .. فيرسم لهم بكلماته القيم السامية الرّشيدة، ويعكس خفايا الأنفس المتعطشة بطبيعتها إلى حب الخير والمعاني المشرقة... ويوقظ فيهم حسّ المسؤولية كلبنات تنتظر دورها في مجالات الحياة المختلفة، وهو في الوقت نفسه، لا يستعصي على أفهامهم، ولا يعلو على قدراتهم وخبراتهم حتى لا يتحرك في فراغ، ويفقد قيمته وتوهجه... زاده في تبليغ كل ذلك لغة عربية فصيحة سليمة و سهلة، وأسلوب رشيق وألفاظ قريبة إلى معجم الأطفال في نعومتها وسلاستها، مفعما بمعاني سامية وناصعة تواكب عمر الطفل، وتشوّقه، وتجذبه نحو القراءة و المطالعة لاكتشاف عوالم أخرى غير تلك التي عرفها الطفل في سنواته الأولى ..؟
ويحسن أن تتنوع الموضوعات التي يعالجها أديب الأطفال، وتساير المحيطات التي يغشاها الطفل أو يتصل بها، وأن تكون قصيرة كي ييسر تعامل الأطفال معها... باعتبارها تنزل إلى مستواهم. ويعتبر ذلك من أصعب المهام لكتابة الأطفال. وعلى أديب الأطفال أن يضع نصب عينيه أن الهدف من كل كتاباته الموجهة للأطفال هي تنشئة طفل يحمل المبادئ السامية الرفيعة، يعيش لعصره لا لعصور خلت !؟ متفهما للمشاكل التي يعيش فيها، عالما متطلعا لما يجري حوله، يقظا لكل ما يحاك لأمته، عاملا على اتقائه ودرئه عنها، وأن يكون في الوقت نفسه مطلعا على تراثه وما قام به أجداده أيام مجدهم وعزّهم ليختار منهم البطل الذي يساعده على تلمس الطريق الذي يجد فيه نفسه وينمي فيه روح المبادرة والنشاط، ويكون قادرا على الخلق والإبتكار والإبداع...
و بالتوازي مع ذلك تأتي التربية الموسيقية لتربّي في الطفل الذوق السّليم وتعلمه السلوك الإجتماعي الهادف وتغرس فيه روح التعاون والتكامل والطاعة وحسن الإنصات، والتجاوب مع توجيهات وإرشادات القائمين على تربيته، لذلك احتلت الموسيقى مكانة بارزة في كل الحضارات تقريبا وأولاها الإسلام مكانة هامة تجلت في تشبيهه للأصوات المنكرة بصوت الحمير وحثه الإنسان على خفض الصوت عند الحديث وتشجيعه على قراءة القرآن بصوت جميل مؤثر.
وفي عصرنا الحاضر صارت للموسيقى أهداف تربوية لا يمكن تجاهلها، واستحوذ حب الموسيقى على جميع الناس، وبخاصة الأطفال عدا من فقدوا نعمة السمع أو تعرضوا لمؤثرات عصبية أو فسيولوجية أفقدتهم التأثر بجمال الألحان والتوقيع.
ولكي تحقق الموسيقى أهدافها لدى الطفل، فلابد من تعليمه الكلام بطريقة سليمة أي توخي الوضوح في استخدام المقاطع اللفظية مع التعوّد على استخدام النبر القوي والنبر الضعيف، ولابد من اختيار الكلمات التي تتفق مع ميول الطفل ومستواه الفكري، ويجب توخي البساطة في اللحن والإبتعاد قدر الإمكان عن التعقيد والتحولات الكثيرة الزخارف، وأغنية الطفل يستحسن أن تكون قصيرة خفيفة الإيقاع، سهلة اللحن، جذابة ذات صيغة بنائية محددة قوية الطابع، وتراعي المنطقة الصوتية للطفل.
إن الإيقاع واللحن والغناء كلها استعدادات فطرية مهيأة للتفتح والنضج بالتدريب والممارسة. وتعتبر الأناشيد والأغاني المدرسية الغذاء الروحي اليومي للطفل ويمكن استغلالها لأغراض تربوية وأخرى تعليمية... لذا وجب إعطاء قيمة هامة للاستماع الداخلي أي القدرة على تخيل اللحن المدوّن (مثل القراءة الصامتة في تعلم اللغة) وتكوين الذاكرة الموسيقية تلك العادة الفكرية التي تقوم بترابط الأفكار والتكرار وتركيز الإنتباه، لأن الطفل يحفظ عادة اللحن إذا ما تكرر في صورته المتكاملة أسرع مما لو سمعه مجزئا. لذلك لابد من استغلال الموسيقى كوسيلة تجذب الطفل وتحببه في المدرسة واتخاذها هواية مثمرة في أوقات الفراغ، كما أنها تمكن المشرفين على التربية من اكتشاف ذوي الإستعدادات والمواهب لاحتضانهم في سن مبكرة والعناية بهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ردا على حقارة البورقيبيات و البورقيبيين ؟

عروس البحر بين الحقيقة و الخيال ؟!

البلاغ الذكية | ما اسم رئيس تونس القادم؟